أطروحة دكتوراه بالعلمين تبحث.. دور المرجعية الدينية الشيعية في السلم الأهلي في العراق بعد 2003.
2022-08-28
النص
1252

جرت في معهد العلمين للدراسات العليا، السبت 27 اب 2022، مناقشة أطروحة الدكتوراه الموسومة " المرجعية الدينية الشيعية والسلم الاهلي في العراق بعد 2003" للطالب " مجيد نجف زوار علي" بمشاركة نخبة من ألاساتذة في جامعات عراقية عدة، إضافة الى معهد العلمين للدراسات العليا.
أكدت الاطروحة ان المرجعية الدينية، مارست أدوارا مهمة في رسم حركة الامة وأحداثها ومواقفها، فكان لها الاثر الواضح في التحولات الكبيرة التي شهدتها الحياة السياسية في العراق، بعد الاحتلال الامريكي عام 2003، وذلك عبر فتاواها وبياناتها وتوجيهاتها التي أصدرتها في أوقات حساسة، فكانت صاحبة القرار الفصل في مختلف القضايا المصيرية التي تعرضت لها الامة الاسلامية بشكل عام، والعراق بشكل خاص. ويشدد الباحث ان المرجعية الدينية ليست مرجعية علمية فقهية فحسب، بل هي منظومة دينية اجتماعية تقف على رأس النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وان دور المرجعية الدينية الشيعية في العراق ، برز بعد 2003، عندما دخلت بكل مؤسساتها وهيئاتها على خط العملية السياسية، كونها تعد قوة حاضرة ومؤثرة مجتمعيا في توجهات الافراد، الى جانب وظيفتها الاساسية المتمثلة بالإرشاد الديني والشرعي، فضلا عن دورها الواضح والمؤثر في التعامل مع الازمات التي تواجه العملية السياسية، عبر تقريب وجهات النظر بين الكتل السياسية المشاركة، ودعوتها الى التعايش السلمي، والتسامح، وتعزيز السلم الأهلي، ونبذ التفرقة المذهبية والطائفية، لتحقيق الانسجام المجتمعي، وانشاء السلم والسلام بين المكونات القومية والدينية، كونها تمتلك وعيا بالتركيبة الاجتماعية المتنوعة ومتفهمة للتعددية الثقافية.
وان المرجعية الدينية وبما تمتلك من مكانة ونفوذ شعبي، وهيبة لدى العام والخاص، كانت حريصة دائما على توظيف ذلك من أجل تحقيق وحدة الصف الإسلامي، ومنع الفتن والاقتتال بين المسلمين، التي كانت وراءهما مطامع سياسية، كما أنها أدت دورا رئيسيا في العملية السياسية، فأسست لمرتكزاتها وواكبت تحولاتها، ورعت مسيرتها لأجل الحفاظ على الوحدة الوطنية، وترسيخ مبادئ السلم الأهلي، والسعي لإنجاز الاستقلال، والعمل على انهاء الاحتلال، والحث على مبادئ العدل والمساواة، واحترام الآخر، وعلى المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية والثقافية كافة.
  وحول حراك تشرين عام 2019، وموقف المرجعية منه، قال الباحث ان المرجعية الدينية كان لها دورا بارزا وفعالا وايجابيا، في توحيد كلمة الجماهير في المظاهرات الاحتجاجية التشرينية عام 2019، حول ضرورة اتباع آليات التداول السلمي لتحقيق مطالبها، وعدم تشتتها وانتقالها من الفعل الاحتجاجي في الفضاء العام الى الفعل السياسي عبر المؤسسات والآليات الدستورية.  
ويقول الباحث ان المرجعية الدينية تقوم بهذه الأدوار الكبيرة والمهمة، رغم ان المرجعية ليست دولة او حكومة، وانما هي مؤسسة تعمل بآلياتها الخاصة المتمثلة بالخطب والبيانات في ظل حكومة قائمة، شرعية او غير شرعية، وهي بذلك تمارس بعض الادوار والنشاطات التي تشبه دور النظام السياسي، وذلك لملء الفراغ الديني والشرعي عندما تتخلى الدولة عن واجباتها او تعجز عن القيام بها او تنحرف او تتعدى حدودها المرسومة لها في نظر الشرع.  
ويرى الباحث ان المرجعية الدينية، رفضت النظرة الثلاثية للعراق التي قسمت البلاد الى مناطق شيعية وسنية وكردية، وانموذج الدولة الطائفية الذي انتجته هذه النظرة، وقد عملت على انشاء دولة مدنية جديدة، والحيلولة دون مأسسة الهويات، من خلال ابراز تاريخ من التعاون بين الاعراق والطوائف المختلفة، من أجل اثبات ان الطائفية كانت في الواقع سردية مصطنعة، وانها ستزرع المزيد من الانقسام المجتمعي، فضلا عن دعوة  المرجعية الدينية  الى التهدئة وعدم الانجرار وراء الفتن الطائفية للحفاظ على وحدة الوطن وتعزيز السلم الاهلي. 
واظهر الباحث الدور الكبير للمرجعية الدينية في النجف الاشرف في الحفاظ على السلم الأهلي، وان الغاية الاساس من السلم الأهلي، هو ازالة النزاعات المتجذرة في المجتمع، ومعالجة آثارها، وخلق مناخ من الثقة بين أطراف المجتمع، بما يؤدي الى احداث تغيير ايجابي فيه، ويتم ذلك من خلال توفير مقومات وآليات عمل وممارسات قابلة للتنفيذ، مثل الحكم الصالح، والتسامح، والمصالحة الوطنية، والمساواة وغيرها. 
واعتبر الباحث ان للمناسبات الدينية بشكل عام، ولزيارة الاربعين بشكل خاص، بعد اجتماعي يهدف الى نبذ الكراهية والطائفية، وتعامل الناس بالتساوي من خلال التلاحم الاجتماعي بين المسلمين او غيرهم، والذي تجعلهم يتمتعون بالروح الايجابية المستعدة للتفاهم والتسامح والتعايش وفق رؤية متوازنة، مستمدة من مبادئ الامام الحسين (ع)، ويبرز ذلك من خلال العمل التطوعي، والتكافل الاجتماعي، والتلاقح الفكري، والتواصل المعرفي.
ويؤكد الباحث ان المرجعية الدينية اوضحت ان لزيارة اربعين الامام الحسين (ع) المليونية مضامين سياسية ودينية، وانها في الوقت نفسه تمثل مظهرا للوحدة والتآلف والتماسك، لان دائرة الامام الحسين (ع) تسع الجميع، واشارت المرجعية الدينية الى مضمون مهم لزيارة الاربعين هو اشعار المؤمنين انفسهم بتوحيد كلمتهم وتقوية اخوتهم وابتعادهم عن كل ما يثير الاختلاف والفرقة، والتأكيد على القواسم المشتركة بينهم.   
ويرى الباحث ان التسامح ليس مجرد التزام أخلاقي، وانما هو ضرورة سياسية وقانونية، تجعل السلم ممكنا بين الجماعات والشعوب، وهو شرط مهم لمواجهة التشدد والتعصب، لاسيما في الافكار والمعتقدات الدينية والسياسية والثقافية. وان فضيلة التسامح هي الوسيلة الفعالة التي تسهل التقريب بين المذاهب الإسلامية، وضرورة حياتية للتعايش السلمي مع الاخر المختلف من القوميات والثقافات والأديان، وتقليل تداعيات الاحتكاك معه والخروج من دائرة المواجهة الى دائرة التعايش والانسجام. والتسامح على المستوى الوطني العراقي الذي يتميز بالتنوع العرقي والديني والطائفي لا يتجذر الا في بيئة تقبل التعدد والاختلاف وتمارس الانفتاح الفكري والمعرفي. وان تحقيق العدالة الاجتماعية بين الأفراد والجماعات والمكونات وعلى المستويات الاقتصادية السياسية والقانونية والثقافية يعد اهم مرتكزات عملية ترسيخ ونشر قيمة التسامح. وبذلك دأبت المرجعية الدينية في النجف الاشرف في التقريب بين المذاهب الاسلامية وردم الفجوات الفكرية والثقافية بينها، خاصة في اوقات الازمات وزيادة الشعور بالخطر الناجم عن التنافر المذهبي او بالخطر القادم من الخارج. ولذلك اكدت المرجعية على رص الصفوف، ونبذ الفرقة، والابتعاد عن النعرات الطائفية، وتجنب اثارة الخلافات المذهبية باعتبارها لا تمس اصول الدين واركان العقيدة، بل هناك مشتركات عامة بين المسلمين تكون هي الاساس القويم للوحدة الإسلامية، حيث ترى المرجعية الدينية، بحسب الباحث، ان اشعال فتيل النزاع الطائفي في العراق، يرجع سببه في الغالب الى تأثير قوى خارجية وبالأخص ( قوات الاحتلال ), وان الشعب العراقي بسنته وشيعته ومسحييه متداخل ومتشابك العلاقات وليس منعزلا في كانتونات حتى يمكن تصور امارات قومية او طائفية .