معهد العلمين يناقش النّظم السَّياسيّة العربيّة وحركات الإسلام السياسي بعد عام ٢٠٠١.
2022-06-19
النص
666

شهدت المنطقة العربية في نهاية القرن العشرين تغييرات حاسمة وجذرية في البنية السياسية لمنظومة الحكم العربية، اعتبرها البعض محصلة تأثير حتمية لما شهدته الساحتين الإقليمية والدولية من متغيرات هائلة، فيما ردها آخرون إلى العوامل الداخلية، بوصفها المحفز الأساس لما حصل من تغيير. ولعل من أولى ملامح ذلك، أنْ سادتْ القناعة بضرورة تقويم مسار الحكم العربي بدءاً من تاريخيته، مروراً بما شهده من نكبات، وانتهاءً بوقوعه صريعاً للإشكاليات والأزمات المتعددة التي تعرضت لها دول المنطقة، وهي أزمات او إشكاليات مركبة، لا تتعلق بتاريخية الحكم فقط، بل بسياساته أيضاً، الأمر الذي جعل النظم السياسية العربية ضحية أفعال او تأثيرات وافدة من جهة، وسبباً فيما تعرضت له المجتمعات العربية من تهديدات وتحديات أشكلت وجودها. ما سبب الطعن والتشكيك في نشأتها وواقعها ومآلها، وعلاقتها بالسلطة وما تعانيه من أزمات، سيما أزمتي الشرعية والمشروعية، وأثرُ ذلك على قدرتها في قيادة المجتمع، نحو التنمية والإستقرار.
وقد أيقظت المتغيرات والأحداث الأقليمية والدولية، لدى العرب والآخرين، الحاجة الملحة لإعادة تركيب منظومة الحكم العربية من جديد، تلك الإعادة التي تحتم علينا رصد ممكنات فواعلها بعيداً عن فواعل السلطة الذين كانوا على مختلف عناوينهم متهمين بالاستبداد لما أسسوه من مقتربات تعسف ازاء فعاليات المجتمع العربي السياسية، ومنها حركات الاسلام السياسي، التي حملت مع قراءاتها للمتغيرات اعلاه، كل تأريخها الصراعي مع تلك المنظومة، لاسيما وأنّ تجليات ذلك التاريخ تعدّت، وبسبب صرامة وتشدد مرجعيات تلك الحركات، صور المعارضة السياسية، تعدّت كل احتمالات وفاقها مع النظم السياسية الحاكمة، التي أوصدت بوجهها كل الابواب، وحرمتها من العمل السياسي، والمشاركة في الحياة السياسية في بلدانها، بسبب تحسس تلك النظم من خطورة مقصدها لإقامة نوع من النظام السياسي ، وهو أمر واضح للغاية في مجمل ادبيات الحركات الاسلامية، والذي عدّته النظم الحاكمة تهديداً يتعدى خطره الحياض العربي، ليغدو أداة لإعادة النهضة الاسلامية العالمية. 
وهذا ما حصل فعلاً بعد عام 2001م، إذ اعادت أحداثه دورة التفكير من جديد، لوضع نهايات للحكم التسلطي والدكتاتوري الذي دام طويلاً في الدول العربية، وتحقيق إصلاحات سياسية في أخرى، ولتؤسس مقدمات هذه الدورة الشروط الاولى للثورة والتحولات العربية نحو الحكم الديمقراطي، وبرؤى الاسلام السياسي وحركاته، التي استطاعت بعد حين من فرض ذاتها شعبياً، حتى نالت التأييد الداخلي والخارجي، والذي جعلها الرقم الصعب في معادلة الحكم العربية لا سيما بعد أحداث (الربيع العربي) التي برهنت عبرها تلك الحركات عن تمكّنها من حيازة الشرعية الديمقراطية، بعد حيازتها للانتصارات الانتخابية كمقترب مقصود لتأهيلها في المساهمة بتشكيل مستقبل منظومة الحكم العربية، والارتقاء بها لإدارة الدولة ومؤسساتها واعداد الدساتير الخاصة بمرحلة التغيير وما بعده.
إلا أن تلك التجربة، لم تدم طويلاً بسبب عوامل عديدة ومتنوعة، ولم تتكّلل ممارساتهم للحكم بنجاح. 
" النظم السياسية العربية وحركات الإسلام السياسي بعد عام 2001 " كانت موضوع اطروحة دكتوراه تم مناقشتها في معهد العلمين للدراسات العليا، يوم 21/ ايار/ مايس 2022، للباحث " عادل جبار عبود الساعدي"، وتقع في 373 صفحة.. 
تتكون الاطروحة من فصل تمهيدي (إطار نظري) أربعة فصول أساسية.. الفصل التمهيدي يتناول مفاهيم ونظريات عامة حول النظام السياسي، المفهوم والخصائص والمقومات، وعن النظم السياسية العربية، الماهية والخصائص وازمات اداءها السياسي، وحركات الإسلام السياسي، النشأة والخصائص والاتجاهات. 
الفصل الأول حمل عنوان (النظم السياسية العربية بين تاريخية التشكيل وإشكاليتها، وهو يبحث النظم السياسية العربية من حيث إشكالية النشأة، واشكالية تعاقب السلطة، واشكالية الشرعية والمشروعية. 
اما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان (مكانة حركات الإسلام السياسي في معادلة الحكم العربية)، ويتناول حركات الإسلام السياسي ومكانتها وتطور معطياتها، والمتغيرات المؤثرة في أداء حركات الإسلام السياسي، واتجاهات الاداء لحركات الإسلام السياسي.
‏الفصل الثالث كان عنوانه (حركات الإسلام السياسي بعد عام 2001 مقومات مصيرية ونهايات سائبة)، حيث يسلط الضوء على مناورات وخيارات البقاء لحركات الإسلام السياسي بعد أحداث 2001، وخطة عمل حركات الإسلام السياسي للتحرر من أثام الماضي، وكيفية استثمارها للمتغيرات الإقليمية والدولية.
الفصل الرابع والأخير حمل عنوان (الإسلام السياسي ومألات التغيير في منظومة الحكم العربية.. تقاسم أعباء.. والنزوع للمشاركة)، ويناول فيه محاولات حركات الإسلام السياسي للبحث عن الذات من جديد، وتبعثر الارادات الوطنية في منظومة الحكم العربية، وخيارات المستقبل بالنسبة لحركات الإسلام السياسي، بين ثلاثة خيارات، اما الاستيعاب والمشاركة، او التكيف والمسايرة، او العودة للمعارضة.
تتجلى أهمية دراسة النظم السياسية العربية وحركات الإسلام السياسي بعد عام 2001م، بما تؤسسه تلك النظم السياسية العربية من تأثير كبير على الواقع السياسي والاقتصادي والامني والايديولوجي لدول المنطقة، بل وعلى مستقبل شعوبها، كما وتمكننا من معرفة الدوافع والاسباب التي تقف وراء تأثير الدول الاقليمية والدولية تجاه حركات الاسلام السياسي ومنظومة الحكم العربية، وكيفية توظيف حركات الاسلام السياسي كفواعل مؤثرة في المشهد السياسي العربي والاسلامي فضلاً عن أهمية معرفة الاسباب والدوافع وراء الصراعات التي ألقت بضلالها على تلك الحركات وانعكاساتها على الاستقرار والامن الداخلي والاقليمي والدولي.
وتكمن أهمية هذه الدراسة، في دراسة إشكالية المشاركة في العمل السياسي لدى حركات الاسلام السياسي ايضاً كونها من الموضوعات التي بحاجة إلى تحليل واستقصاء، فضلاً عن رصد مواقفهما كفواعل اساسية في المشهد السياسي العربي والاسلامي، وتطلعها للمشاركة والعمل السياسي، بعد عمليات الرفض والاقصاء والتهميش من قبل أنظمة الحكم العربية. وتبدو أهمية هذه الدراسة واضحة في الحاجة إلى جهود علمية لمتابعة ما انتجته ثورات (الربيع العربي) من حراك سياسي انتج ظهور حركات الاسلام السياسي كقوة فاعلة ومؤثرة في الشارع العربي، مما أسس لمرحلة جديدة في مواجهة النظم السياسية العربية الحاكمة وصياغة مستقبل جديد لها، ليس من خلال ما تمتلكه من قاعدة شعبية واسعة وانما من خلال مشاركتها في العمل السياسي بعد غياب طويل.
يركز الباحث في اطروحته على أنّ حركات الإسلام السياسي، في سعيها لمواجهة منظومة الحكم العربية، حملت إرثها التاريخي مؤطرا بهدف تأريخي وحضاري، يكمن في إقامة مجتمع إسلامي وحكومة اسلامية كبديل نوعي يغطي أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية كافة، ويستجيب لتطلعات الأمة في التغيير، الأمر الذي اثار الكثير من التساؤلات عن قدرة تلك الحركات في بلوغ ذلك الهدف، في ظل منظومة حكم مهترئة بحاجة إلى اصلاح وتغيير جذري، وعن الطاقة الروحية التي دفعتها للمغامرة باستغلال ما أسسته احداث 11 أيلول 2001م من فرص، بعد كل ما نالها من تضليل واتهام. محاولا الاجابة على جملة تساؤلات، منها : كيف نشأت وتطورت حركات الاسلام السياسي؟. كيف يمكن لحركات الاسلام السياسي أن تتحرر من آثام الماضي؟ وماهي خطة العمل المتجددة؟، هل استثمرت حركات الاسلام السياسي المتغيرات الداخلية والخارجية لتتقرب من أهدافها؟، هل ان حركات الاسلام السياسي تمتلك ثقافة المراجعة والنقد الذاتي والقدرة على التكيف واستيعاب التطورات السياسية والاجتماعية والفكرية والمعرفية؟، وهل تمتلك الثقافة الديمقراطية، بما يجعلها طليعة للتغيير؟، وهل ان الاسلام السياسي يمتلك في برنامجه السياسي نظاماً محدداً لحكم وإدارة البلاد العربية؟.
وينطلق الباحث من مقدمات تقول ان حركات الاسلام السياسي منذ نشأتها حملت أثقال نأت بها عن منظومة الحكم العربية وتغافلت عنها، حتى اذا ما ارادت تلك الحركات التعبير عن مطالبها وجدت نفسها محاصرة بتحديات اساسية، منها كيفية ترويض نظم الحكم العربية لصالح نظمية ادائها السياسي المتزن، وكيف يمكن لها الارتفاع بأدائها لجعل النظم العربية معنية باستيعابها، لتحقيق مطالب المجتمع واهدافه في التنمية والاستقرار السياسي والاجتماعي، باعتبارها النموذج الديمقراطي المنتظر. ويتطرق الباحث في الوقت نفسه الى انتهاج بعض قوى الاسلام السياسي لأساليب القوة، والمواجهة العسكرية، والتطرف الفكري، ليس فقط مع الانظمة الحاكمة، انما مع بعضها البعض.
وفي ختام الاطروحة، يخلص الكاتب الى ان ظهور حركات الاسلام السياسي في المنطقة العربية، انبثق مع بداية تشكيل الدولة العربية القطرية المعاصرة، وكان لها دور كبير في بداية الاستقلال، وذلك من خلال مواجهة الاستعمار على الارض العربية، كما انها دخلت في مواجهة مع الانظمة الملكية التي دعمتها القوى الاستعمارية، وهذا ما اعطى مكانة سياسية واجتماعية فاعلة ومؤثرة لتلك الحركات في الشارع العربي. ثم دخلت هذه القوى من حركات الاسلام السياسي، في صراع مع النظم السياسية العربية الحاكمة، وتحول الصراع الى مواجهات عنيفة، مما أدى بشكل أو بآخر الى دفع معظم تلك الحركات الاسلامية الى ممارسة العنف والتطرف. واشار الباحث الى مسألة غاية في الاهمية، وهي عدم تجانس الحركات الاسلامية فيما بينها، كونها كيانات او تنظيمات تختلف في مناهجها ووسائلها وارتباطاتها ومراجعها العقائدية والفكرية، كما انها تتباين في الحجم والاهمية والتأثير من بلد الى اخر، ومن تجربة الى اخرى. ويؤشر الباحث على دور الولايات المتحدة في مجريات الاحداث في المنطقة العربية، وملف العلاقة بين الانظمة الحاكمة واحزاب الاسلام السياسي، فقد اقامت الولايات المتحدة تحالف مع انظمة سياسية عربية موالية للغرب، لضمان استمرار تدفق الطاقة (النفط) للغرب، على حساب مكانة وأداء حركات الإسلام السياسي، بل والتعمد لتوظيفها في صراعات إقليمية ودولية، لإبعادها عن السلطة، أو تشويه مسيرتها، مقابل ذلك اخفقت منظومة الحكم العربية في استيعاب تلك الحركات باستثناء المغرب والاردن والكويت ولبنان، مما انعكس ايجابياً على أمن واستقرار هذه البلدان. ويذهب الباحث الى ان من اهم العوامل التي ساعدت على انتشار حركات الاسلام السياسي في المنطقة العربية، انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩م، والغزو السوفيتي لأفغانستان، وكذلك اندلاع حرب الخليج الاولى والثانية، واخيراً تصدر حزب العدالة والتنمية الاسلامي للسلطة في تركيا. معتبرا ان هجمات ١١ايلول/ سبتمبر من عام ٢٠٠١م في الولايات المتحدة مثلت بداية المواجهة الفعلية بين الغرب بزعامة امريكا والحركات الاسلامية المتطرفة، مثل القاعدة وغيرها من التنظيمات الجهادية. كما ان الغزو الامريكي لإفغانستان والعراق كان من اهم العوامل المساعدة في توسيع المواجهة بين الولايات المتحدة الامريكية والغرب من جهة، والحركات الاسلامية من جهة اخرى.
ويرى الباحث إنّ اكثر التنظيمات الاسلامية المتطرفة ايديولوجيا، هي الاكثر ميلاً للدخول في مواجهات قتالية مع نظيراتها من الحركات الاسلامية الاخرى، بسبب ما تحمله من افكار واراء وايديولوجيات مغلقة لا تسمح بالحوار مع الاخر او حتى التعرف عليه، متحدثا عن ان فقدان الرؤية الاستراتيجية لإدارة الدولة لدى حركات الاسلام السياسي عند وصولهم للسلطة، ادى الى اخفاق سياسي واقتصادي واجتماعي في بنية الدولة برمتها، مما ادى تدني شعبيتها وخاصة في كل من المغرب والاردن وتونس والكويت والعراق نموذجاً حي.
ويستثني الباحث حركات الاسلام السياسي في فلسطين ولبنان، ووقوفهما بوجه الكيان الصهيوني، لاسيما ما حدث في حرب تموز /يوليو من عام ٢٠٠٦م على لبنان، وعدم قدرة الكيان الصهيوني على تحجيم قدرات حزب الله القتالية في لبنان، وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين، والذي يقول انه شكل حافزاً مهماً للحركات الاسلامية الاخرى وزيادة شعبيتها.