العلمين يبحث مستقبل العلاقات الصينية الخليجية في ظل مبادرة الحزام.
2022-05-25
النص
688

م. د راجي نصير

  • الانفتاح العراقي على المبادرة يضعه امام مخاطر مرتفعة
  • احتمالات التدخل العسكري الصيني وارد امام العجز الخليجي عن عدم ضمان المصالح
  • دخول الصين لمنطقة الخليج اقتصاديا مدخل لعلاقات وتدخلات سياسية وأمنية.
  • الاستثمارات الصينية تسعى لادامة مستويات الإنتاج النفطي لدول الخليج
  • مستقبل المنطقة يؤشر الى دوام العلاقة الصينية لصعوبة تفكيك اسسها 

ضمن مذكرة التعاون والتوأمة بين معهد العلمين للدراسات العليا، وجامعة النهرين، جرت في كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين، مناقشة أطروحة الدكتوراه الموسومة " الابعاد الاستراتيجية لمبادرة الحزام والطريق ومستقبل التعاون الصيني الخليجي- نماذج مختارة". للتدريسي في كلية العلوم السياسية بجامعة الكوفة عباس فاضل علوان، ولم تحصر الاطروحة منطقة الخليج العربي بدول مجلس التعاون الخليجي فقط، انما وسعتها لتشمل جميع الدول المطلة على الخليج العربي، ومنها العراق وإيران. واضاءت الاطروحة على حقيقة إن منطقة الخليج هي منطقة مصالح غربية، سياسية وامنية، وهو ما يسبب إشكالات في وجود الصين بعيدا عن الاقتصاد، ولهذا كان دخول الصين للمنطقة اقتصاديا، إلا أن الاقتصاد هو مدخل سيوفر مظلة لعلاقات وتدخلات سياسية وأمنية.

وأشار الباحث الى الاستثمارات الصينية في مجال الطاقة، فقد شرعت الصين بتطوير في استراتيجياتها، فلجأت إلى الاستثمار في حقول الطاقة الخليجية، وكان البدء مع العراق، وأخذ يمتد ليغطي كل الدول الخليجية، لتضمن الصين أن هناك انتاج نفطي مستقر مخصص تصديره للصين، في حين تضمن الدول الخليجية أنها لن تنفق موارد على الاستكشاف والانتاج والتصدير، وهي بشروط متفق عليها ولسنوات متفق عليها.ويوكد الباحث انه حتى الان تجد دول الخليج العربي أن المبادرة التي عرضتها الصين، إنما هي مقايضة مقبولة، فالطاقة التي توجد على اراضيها تحتاج إلى استثمارات كبيرة حتى يمكن ادامة مستويات الانتاج خلالها، وسوق الطاقة يعاني من وجود تنافس حاد بعد انتقال الولايات المتحدة من كونها أكبر مستورد عالمي للنفط إلى كونها أكبر منتج عالمي، والطاقة غير التقليدية والطاقة البديلة والأزمات الاقتصادية، والتضخم، كلها ستقلل من مزايا الاستثمار في الطاقة، ومن ثم فإثر دخول مستثمر بحاجة إلى ضمان وجود طاقة مخصصة لأسواقه، يعد عملية تجارية نافعة للطرفين.

ويتوقع علوان أن انفتاح الأسواق الخليجية على السلع الصينية سيستمر بالارتفاع. وتوقع الباحث ان منطقة الخليج العربي ستشهد صراعا جديدا يتناسب وأنواع الصراع في القرن الحادي والعشرين، أي صراع بأدوات اقتصادية ومعلوماتية وتكنولوجية وثقافية، فالولايات المتحدة موجودة بكثافة في المنطقة، الا أنها تشهد تراجعا كبيرة، وتشهد الصين توجها كبيرة نحو المنطقة في ظل نموها الواسع، وفي ضوء اعتماد المبادرة التي ستسهم بتوسيع العلاقات بين الصين ودول الخليج العربي، وفي مقابل المشاريع والالتزامات الصينية بموجب المبادرة في منطقة الخليج العربي، ستجد دول المنطقة نفسها واقعة في التزامات هي الأخرى تجاه الصين، متعلقة ومرتبطة بانفتاح الأسواق، وسهولة الصين استخدام الموانئ والمرافق الخليجية، وتدفق الطاقة المستدام لمدد طويلة إلى مرافق الاستهلاك الصينية.

واعتبر الباحث إن مستقبل التعاون الصيني - الخليجي، امام احتمالين متناقضين، اما أن يتجه إلى التعزيز إن وجدت الأطراف المعنية مزايا في المبادرة، أو قد يفشل المشروع، إن وجدت تلك الأطراف أن مصالحها تضررت، والدراسة تتوقع أن العلاقات الصينية – الخليجية ستستمر في المستقبل القريب، وكلما نظرنا إلى المستقبل، المتوسط، فإن الصين تكون قد بنت أسس العلاقات، يصعب فك روابطها، أو تجاهلها. انها مبادرة طموحة، لا تقوم على التأسيس لسوق مشتركة، او لمنطقة تجارة حرة، أو لتكامل اقتصادي مع دول العالم، وإنما تقوم على بناء علاقة تكون الصين المركز فيها، وتقوم كل الدول التي تقبل بإقامة منظومة من العلاقات معها، عبر أنشطة ومنشآت وبنی مخصصة فقط لتلك العلاقات، دون أن تتدخل الصين بعلاقات الدول المعنية بالمبادرة مع غيرها، أي أن الصين ستهتم فقط بالعلاقات الموجهة لأنشطة المبادرة، والاستثمار في البني المخصصة للعلاقات التي تتعلق بالمبادرة.ولا تتدخل بشؤون الدول الأخرى وسياساتها وعلاقاتها. وحذر الباحث أن أي عجز خليجي عن عدم ضمان المصالح الصينية حسب المبادرة، يتوقع أن يقابله تدخل صيني سياسي، وربما عسكري، لضمان المصالح الصينية مستقبلا، فالصين ليست مؤسسة خيرية تقدم خدماتها بالمجان، ولا تضع استثماراتها بصيغة هبات ومساعدات، إنما هي بصيغة قروض مؤجلة السداد لحين الاستفادة من مزايا المبادرة.

اما فيما يخص العراق، فيؤكد الباحث أن العراق يعيش بمأزق مضاعف، مابين حاجته الفعلية للمبادرة للنهوض بواقعه المتردي، وتعزيز موقعه العالمي، وزيادة نموه الاقتصادي، وما بين الضغوط الامريكية التي تمنع اي تقارب بين العراق والصين، فهو واقع تحت التأثير الأمريكي، وسط ظروف محلية وإقليمية غير مستقرة، وهو يعاني من أخطاء في توزيع الموارد وتوظيفها، ما اسهم بهدر اغلب موارده المالية التي حصل عليها بعد عام ۲۰۰۳ من دون ناتج تنموي حقیقي، وقد حاول العراق تدارك ذلك عبر الانفتاح على الصين عام ۲۰۱۹ في مشروع صفقة يقوم على مبادلة جزء من النفط لمدة طويلة، مقابل تدخل الصين لتوفير سيولة نقدية ومشاريع وخدمات للعراق، لكن المشروع مازال متلكأ، والمشكلة التي يتوقع الباحث حصولها، الصدام مع المصالح الامريكية والاقليمية في العراق، ومدى قدرة العراق على حماية المصالح الصينية في التدفق المستدام للنفط إلى الصين، وهو ما يمكن أن يعرض العراق لخطر تدخل الصين أمنيا لحماية تلك المصالح آن تعرضت للخطر.

واعتبر الباحث إن توجه العراق للانفتاح على الصين في إطار المبادرة أو دونها، يحمل مخاطر مرتفعة على احتمالية تعرض العراق لضغط فاعل دولي جديد، سيجد العراق من الضروري أن يتم حماية مصالح ذلك الفاعل، وإلا فإنه يتوقع أن يتدخل لحماية مصالحه بشكل مباشر، أي أنه أمام مغريات ظاهرية للمبادرة، والتزامات غير ظاهرة للمبادرة، لا يجب التغاضي عنها، وهو ما يؤشر أن العراق يعاني على صعيد عدم الاستقرار، ويعاني من الهدر بالموارد، وإن الحلول الموجودة تحمل مخاطر خفية ستضر بالعراق مستقبلا إن استمر وضعه الراهن.


مانشيتات